Monday, March 14, 2016

كلينتون زي الحاج ترامب

بالنسبة لنا في مصر وفي المنطقة العربية نتائج الانتخابات الامريكية تتساوى في تأثيرها علينا. والتأثير هيكون غالبا للأسوأ. ممكن نناقش مدى سوء كل واحد، لكن في جميع الحالات المنطقة مش هتشوف تحسن ملحوظ.

عشان توصل للاستنتاج ده لازم الاول تكون فاهم اوباما فلسفته آيه تجاه منطقتنا وثانيا تفهم الانتخابات الحالية في أمريكا. وأغلب العرب مش فاهمين الاتنين بالدرجة الكافية. مثلا مقال أتلانتيك عن عقيدة اوباما في العلاقات الخارجية اتفهم غلط تماما من أغلب العرب على الرغم من الترجمة الصحيحة في أغلب الحالات. مثلا المصريين فهموا ان اوباما بيعتذر عن تدمير ليبيا لما قال لقد أخطأنا في ليبيا. الحقيقة لما تقرأ الجملة في سياقها الأصلي هو بيقولها ردا على اتهامه بالتخاذل في التدخل في سوريا وبيقول تحديدا ان على الرغم ان أمريكا درست التدخل في ليبيا بشدة وضربت الأهداف الصح واخدت مباركة ومشاركة دولية واقليمية فإن التدخل كان غلط لأن مفيش حد عليه القيمة على الارض يعمل اي تغيير للأحسن.

ودي التيمة الأساسية لفلسفة اوباما. هو مش بيحب ايران وبيكره السعودية هو شايف الاتنين أنيل من بعض. هو مش بيحب الاخوان وبيكره الجيش، هو شايف الاتنين ملهمش معنى. هو مصنعش داعش ولا عايز يقضي عليها، هو شايفها مش مشكلته ومش مؤثرة على أمريكا ولا مسئوليتها. هو شايف العالم اكبر بكتير ومشاكله وفرصه اكبر بكتير من منطقة أهلها مصرين يعيشوا في العصور الوسطى، وهو مش شايف انه يقدر او عايز او مهتم يطلعنا من المستنقع ده.

أنا مقدر صدمة العرب في اوباما ومحاولتهم صبغ فلسفته بأي شكل آخر. احنا بنحب نحس ان علينا مؤامرة، بنستمتع بإحساس اننا مظلومين، لكن ممكن يقتلنا إحساس اننا مش مهمين للعالم وإن فيه حد بيقولنا أنا لا شايفكم حلوين ولا وحشين، أنا أصلا مش شايفكم. وانا مصدق اوباما، هو فعلا احساسه الوحيد ناحية منطقتنا هو احساس بالاحتقار لناس رافضة تساعد نفسها ونفسه يخلص أمريكا من شبكتها السودة في المنطقة، وساعده في ده ثورة انتاج الطاقة في أمريكا الشمالية اللي نزعت من الشرق الأوسط أهميته الرئيسية.

وده مش شرط يكون وحش بالنسبة لنا. لازم اولا ندرك حقيقة ان كل تدخل خارجي في المنطقة كان نتيجته كارثة. يمكن كان فيه ناس شايفة حكومة مصدق في ايران خطر، لكن التدخل المخابراتي هناك كان نتيجته الثورة الاسلامية. اللي كان شايف صدام مجرم مش غلطان لكن شيلته بتدخل أمريكي كان نتيجتها داعش. القذافي كان بيقذف بنغازي؟ دلوقتي كل شارع في ليبيا بيقذف التاني. حتى تفة التدخل الأجنبي في شيل مبارك كان نتيجتها تسميم المياه في مصر بقدر التدخل.

واوباما مؤمن بكده. في مقال أتلانتيك يقال ان مثله الأعلى جورج بوش الأب اللي تدخل في الكويت بالمقدار اللازم وانسحب قبل ما تدخله يوصل للدرجة اللي تخلي الأمور أسوأ. وعلى الرغم من كده، كانت القاعدة من نتائج التدخل ده. ممكن نكون شايفين مفيش أسوأ من وضع سوريا والعراق حاليا، بس أنا متفق مع اوباما القضاء على داعش بالتدريج بواسطة أهل البلاد أحسن بكتير من تدخل أمريكي لإنهاء القاعدة. فك الارتباط الامريكي في المنطقة من مصلحة اَهلها لأنه هيسمحلهم يواجهوا حقيقة ان مشاكلهم من صنعهم مش بسبب أمريكا وهيمنع تعقيد المشاكل.

لكن اوباما حالة شاذة جدا في السياسة الامريكية. لا هو الحكمة التقليدية في الحزب الديمقراطي ولا شبه المينستريم في الحزب الجمهوري. يمكن هو اقرب لليبريتاريين في الحزب الجمهوري الداعين للانعزالية الامريكية وان كان هو شايف عكس الانعزالية تجاه اسيا وافريقا وأمريكا الجنوبية. هو بس عايز يعزل الشرق الأوسط.

هيلاري كلينتون من مدرسة التدخل في السياسة الخارجية الامريكية ووجهة نظرها تجاه سوريا هتكون اقرب للدول السنية اللي شايفة الموضوع من منظور حرب طائفية. كلينتون هي في الأساس سبب تدخل أمريكا في ليبيا. وحتى اذا فرضنا وجود فرصة لساندرز بالفوز في الانتخابات فاهتماماته بالسياسة الخارجية ثانوية للغاية وفي الغالب هيعتمد على وجهات النظر المؤسسية وعلى الthink tanks في تحديد سياسة الشرق الأوسط. وفي الحالتين المؤسسات دبي بيسيطر عليها إما المحافظين الجدد أو النظريات التقليدية للسياسة الخارجية الامريكية او لوبيات اسرائيل ودول الخليج.

نفس الشيء ينطبق على ترامب. ترامب معندوش ايديولوجيا ولا فلسفة لا في السياسة الداخلية ولا الخارجية، هو مبرمج على شيء واحد: انه يكسب. هيقول اللي يخليه يكسب في الانتخابات التمهيدية لغاية ما يكسب ترشيح الحزب الجمهوري، وهيقول عكسه تماما في الانتخابات العامة ومحدش هيتهزله رمش. اللي زي ده هيمشي ورا المؤسسات أكثر من ساندرز والنتيجة في الآخر مزيد من التدخل. أما روبيو وكاسيك فهم يمثلوا المؤسسة الجمهورية بشكل مباشر ودي سياستها الخارجية تدخلية بشكل معلن. والأسوأ على الإطلاق للمنطقة هو تد كروز وهو النسخة المزيته من جورج بوش الابن، يعني مش بس هيساند تدخل أمريكي اكثر، لكن تدخل اعنف وأغبى ومن منطلقات دينية تبهدل الدنيا اكثر.

ببساطة المصريين اللي منتظرين الادارة الجاية في أمريكا عشان اوباما وحش بكرة هيعرفوا ان اوباما كان أحسن اللي عند أمريكا وميفرقش في كده انت اخوانجي ولا ثورجي ولا فلول.

Saturday, March 12, 2016

المسلمين وليس الاسلام

شكل العالم يتغير، مراكز القوة تتوزع، تمركز الثروة والإنتاج لم يصبح فقط في أوروبا وأمريكا الشمالية. فصعود دول وشعوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية أصبح واقع لا جدال فيه، حتى أصبح لقب "العالم الغربي" غير محدد ولفظ "دول العالم الثالث" لا معنى له. فهل البرازيل والصين من ضمن دول العالم الغربي؟ وهل تصح تسمية الهند بدولة من دول العالم الثالث؟ بالتأكيد خرجت هذه الدول من قوالبها التقليدية وأصبحت جزء رئيسي ان لم يكن جزء قائد ليس فقط من اقتصاد وعلم العالم ولكن أيضا من ثقافته ومن روحه الإنسانية. ولا يقتصر الأمر على الاقتصادات الصاعدة لدول البريكس ولكن يمتد لدول كثيرة في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا باستثناء مثير لدول المسار الاشتراكي الشاڤيزي (فنزويلا وبوليفيا).

ومن الواضح ليس فقط عدم قدرة دول الغرب التقليدي على الحد من صعود القوى الجديدة أو توزع الثروة والنفوذ، ولكن أيضا مباركة ومساعدة هذه الدول في هذا النمط. فالغرب ساعد بقوة وبقصد في تطوير هذه الدول بربطها في اقتصاد عالمي شامل والاحتفاء بثقافتها واحتضان كل أشكال التعاون الاقتصادي والعلمي والثقافي معها. فالنظرية دائما التطور يخلق مصالح مشتركة والمصالح المشتركة تصنع الاستقرار وتمنع الحروب. فأسلم طريق لضمان عدم تهور العملاق الصيني في مغامرات عسكرية حمقاء هو ان يشعر الصينيون ان لديهم الكثير مما قد يخسروه والقليل الذي قد يكسبوه من هكذا مغامرة.

أين يقع العرب خاصة والمسلمون عامة من هذا التطور؟ الإجابة: خارجه. تقف بعض دول الخليج الصغيرة الغارقة في البترول كمثل للتطور ربما، لكنه تطور شكلي سطحي لا يعتمد لا على ثقافة البلاد ولا على أهلها. وتقف تركيا على حافة الهاوية وهي تلتف على ميراث الديمقراطية والعلمانية الى سلطوية دينية-شعبوية-قومية وتباطؤ اقتصادي وحرب أهلية. بينما تحاول دول جنوب شرق آسيا المسلمة القفز على قطار الصعود في منطقتها معتمدة على تعدديتها الدينية والثقافية فالإنفاق على الدعوة الوهابية في المنطقة يجعل مصير هذه الدول غير معلوم.

ما السبب في كون المسلمين في ذيل الإنسانية؟ الإجابة التقليدية في المجتمعات الإسلامية هي:
١- مؤامرة غربية لإبقاء المسلمين في حالة تخلف خوفا من قوة المسلمين إذا اتحدوا ووجدوا طريقهم للنهضة
٢-بعد المسلمين عن الاسلام الصحيح وغياب التدين الشخصي وعدم تطبيق الشريعة على مستوى الدول

سببين لا يختلف عليهم الكثير في العالم العربي. سببين لا يساندهم لا دليل واقعي ولا منطق ولا أمثلة موازية. فلم يحاول الغرب إغراق المسلمين في الفوضى بينما يحاول بناء وتقوية من هو أقوى وأكبر وأكثر تنظيما من المسلمين. لماذا يبدو الغرب مهتما بتقدم الصين وهي القوى الأعظم بمراحل من المسلمين بتاريخها وميراثها ومواردها؟ وكيف يمكن ان ترى أوروبا من مصلحتها تفكك الدول العربية على حدودها ونزوح ملايين اللاجئين المهددين لتركيبتها الثقافية والسكانية والاقتصادية. أليس من مصلحة الغرب وجود عالم عربي مستقر مساهم في الحضارة الانسانية؟ لماذا قد تهاب أمريكا اليمن بينما هي لا تهاب تشيلي؟ 

ولماذا كلما زاد الالتزام الديني الشخصي الاسلامي في مجتمع لم يتحسن حاله وربما تدهور. لماذا حال المدارس الاسلامية في مصر أسوأ من مثيلتها المسيحية حتى اذا حصلوا نفس المصروفات. لماذا ارتبط كل نجاح استثنائي في أي مجتمع إسلامي بليبرالية أكثر وارتبط كل تدهور بمحافظة أكثر؟ هل هي مصادفة أن ماليزيا تقف كشذوذ لحال المجتمعات الاسلامية وتقريبا نصف سكانها من غير المسلمين. هل نجاح الأقليات الغير مسلمة اقتصاديا وعلميا في المجتمعات الاسلامية مؤامرة من الحكام، ما نوع المؤامرة الشاملة الناجحة تلك التي يفشل صانعيها في حكم بلادهم بشكل فعال؟

ربما كانت الإجابة اننا في ذيل العالم لأننا مسلمين. صعب الاعتراف بذلك، لكنه مهم. وأهميته هي أنه يدعونا لتحمل مسئولية حالتنا ويمنعنا من رمي الحمل على مؤامرة مترامية الأطراف لا دليل أو قرينة عليها ولا خروج منها إلا بانتظار حروب آخر الزمان. لا جدال أن أوروبا حاربت العالم العربي وساهمت في تأخره من خلال الاستعمار، ولكن أغلب دول آسيا وإفريقيا تعرضت لنفس الاحتلال ان لم يكن أشد. لماذا تخطت هذه الدول ميراث الاستعمار؟ وهل كانت الإمبراطوريات الاسلامية المتعاقبة منارات للتقدم تركت لنا ميراث من الحقوق والحريات؟ هل ننظر للخلافة العثمانية كعصر ذهبي وكم ورثنا منها من ثورات فكرية او فقهية او علمية او ثقافية؟

هل يوجد مجتمع حديث بحجم المجتمع الاسلامي ما زال يناقش الأطر الصحيحة للرق والعبودية؟ هل الغرب مسئول عن اصرارنا كمجتمعات على رفض تساوي جميع البشر امام الدولة بغض النظر عن العرق والجنس والاعتقاد؟ هل الغرب هو من فرض علينا ان نكون المجتمع الإنساني الوحيد الذي يرى ان الناس يجب ان تقتل اذا غيرت دينها؟ 

الربيع العربي جاء كحادث خارج نطاق التاريخ التقليدي للعالم العربي ولذا وضع الكثير آمالا عريضة على ان يكون مدخلا لهذه المجتمعات للحاق بركب الانسانية. الخطأ القاتل هنا هو اعتقاد ان الخارطة التي اتبعتها دول الثورات الملونة يمكن تطبيقها في المجتمعات الاسلامية بغض النظر عن غياب مفاهيم المجتمع المدني والعلمانية والليبرالية الاجتماعية عن هذه المجتمعات بعكس الدول ذات الميراث الاشتراكي. وتونس تقف كالشذوذ الذي يثبت القاعدة، فنظرا لوجود ميراث من العلمانية والليبرالية والمجتمع المدني فيها فقد تمكنت من التحول بدون عوائق كبرى. أما في باقي الدول التي اصابها الربيع فكان الافتراض دائما ان القادة القدامى لحقبة القومية العربية هم السبب في تخلف المجتمعات بينما الحقيقة ان أسباب التخلف تقبع في عمق هذه المجتمعات.

فأدى الربيع الى تحلل الدول وانفجار اعتى صور القبلية والطائفية في عاصفة من العبثية التي لا تعبر عن "ميراث الفلول" قدر ما تعبر عن الفقر الثقافي والأخلاقي للمجتمعات الاسلامية. وبينما تجلت الثورات الملونة في مجتمعات اخرى في انحياز أكثر نحو الاندماج في المجتمع العالمي، فداعش هي التجلي الحقيقي للربيع العربي. داعش هي الشكل الصافي للحلم الاسلامي وما يراه المسلمون كيوتوبيا. والحلم في حقيقته كابوس من القتل والحرق والاستعباد والتطهير العرقي والفقر الثقافي وفقدان الميراث ونحر التعددية والاستقواء على الأضعف والانعزالية والفشل.

تخطي المأزق التاريخي للأمة الاسلامية يستدعي خطوات جريئة لتغيير المفاهيم الرئيسية للمسلمين. وأول خطوة هي فهم ان فكرة "الاسلام الصحيح" غير ذات صلة بالواقع فما يخص المسلمين وبقية العالم هو ما يعتقده المسلمون انه الاسلام. كما لا يهتم العالم كثيرا بما يحتويه العهد القديم من فظاعات لأنهم يدركوا ان اغلب اليهود لا يؤمنون به حرفيا. فبدلا من الجدل العميق اللانهائي عن تعريف الاسلام الصحيح، فما يهم هو ان يجد المسلمون صيغة تمكنهم من قبول الحقوق الاساسية للإنسان كمجتمعات قبل ان يطالبوا حكوماتهم بها. وقتها ربما نستطيع ان نمنح اولادنا مكانا في مواجهة تحديات مستقبل العالم والمشاركة في فرصه كجزء من المجتمع الإنساني بدلا من ان نفاجأ ان الهم الأساسي لبقية العالم في مواجهة المسلمين هو مدى ارتفاع الصور الذي ينبغي ان يبنوه ليبقونا خارجا.

Monday, March 7, 2016

الثورة القادمة

"شعبية السيسي بتقل"، جملة اعتراضية تقال بشكل مستمر منذ تم خلع محمد مرسي، وفي الأغلب لم تكن العبارة حقيقة ولكنها أمنية او استعجال للثورة القادمة التي ينتظرها الاخوان للرجوع للحكم وينتظرها البعض لتحقيق يوتوبيا اشتراكية علمانية ستأتي بغض النظر عن العقل والتاريخ والثقافة.

لكن هذه العبارة بدأت تتسم بالوجاهة. فشعبية السيسي بالفعل تتراجع، ويرى أطراف مختلفة أسباب مختلفة لهذا التراجع:
-فالاخوان يرونها توبة للشعب الانقلابي ومصير حتمي إلهي حتى يرجعوا للسلطة
-اليساري يراها نتيجة انحياز ما للطبقات العليا وسياسات مناهضة لميراث عبد الناصر الاقتصادي
-الفلول يراها نتيجة انحياز السيسي لسياسات ناصرية شعبوية وهجره لمحور الأرز على المستوى الإقليمي 
-الاسلامي يراها بسبب كفر السيسي وعدم مشاركته في الحرب ضد الكفار
كلها أسباب طريقة استنتاجها عكسية، فكل طرف يبدأ من النتيجة التي يريد الوصول لها ثم يحاول ترتيب أسباب لهذه النتيجة. كما ان السياق العام لكل الأطراف ينساق الى تكتيل الأحداث السيئة سواء كانت طبيعية او غير طبيعية للوصول لكتلة حرجة لخلق يناير او يونيو جديدة. ويظهر الجانب الفكاهي لهذا التكتل الجديد في تبادل القفشات بين المباركيين والاخوان او بين الشفيقي وناشط قام بحرق مقر شفيق.

فيناير ويونيو خلقوا تروما في العقلية المصرية لا تجعلها ترى سوى "الثورة" طريقا للتغير والثورة المضادة طريقا للانتقام من الثورة المضادة التي كانت انتقاما في الأساس من الثورة الاولى وهكذا في سلسلة من الثورات والأباطيل لا تنتهي. ولكن هل "الثورة القادمة" ضد السيسي فعلا ممكنة، وما نتائجها؟

لكي نعرف إمكانية ثورة جديدة ضد السيسي يجب ان نسأل إذا كانت فعلا شعبيته قلت، وإذا كانت قلت فلماذا. الإجابة بالتأكيد شعبيته قلت، لكن ليس لأسباب الاخوان ولا النشطاء ولا الفلول. ما أراه الأسباب الرئيسية لفقدان شعبية السيسي:
-تراجع السيسي من دور المخلص التاريخي الى دور الرئيس الذي يدير الدولة. ففي شكل من خلص مصر من حكم الاخوان وانتقامهم المستمر من مصر كانت له مكانة وشعبية لا يمكن مقارنتها وظهرت في نتائج الاستفتاء والانتخابات الرئاسية على الرغم من أصرار البعض على إنكار واقع هذه النتائج. كان يمكن أن يكتفي السيسي بهذا الدور لكنه من اختار خوض تجربة إدارة الدولة. ويظهر جليا دهشته شخصيا من تراجع شعبيته حين أخذ هذا الدور، فلا يوجد رئيس يحظى بشعبية ٩٠٪‏ او ٪‏ او حتى٦٠٪‏ لفترة طويلة
-وربما كانت احدى نجاحات السيسي سببا في بدء محاسبته كرئيس عادي، فتفكيك جماعة الاخوان المسلمين أدى لخروجها من الصورة كخطر داهم مما مكن الناس من تقييمه في ظروف اكثر طبيعية
-وكما نجح السيسي أمنيا الى حد ما، فله أخطاء كان لها صدى سيّء على المجتمع كله، كحادث الطائرة الروسية وبخاصة التعامل غير الحرفي مع توابعه اعلاميا ودبلوماسيا. ويعد غياب الشفافية في الحالة الأمنية وخاصة في سيناء علامة سيئة على اعتقاد السيسي انه يفهم اكثر وان الناس ليس لهم غير النتاج وليس التفاصيل، وهو ما يجعله يدفع الثمن كاملا حين تكون النتائج غير مرضية حتى اذا كانت الظروف غير مؤاتية
-ويدفع السيسي ايضا ثمن الصورة السيئة لجهاز الشرطة مؤخرا فعلى الرغم من المحاولات الحقيقية للمحاسبة وضبط الأداء في الداخلية فالصورة المصدرة سيئة لتداخل الأداء الأمني مع القضايا السياسية، او محاسبة الداخلية على المشاريع كما كان الحال
-ولا يوجد محل للنقاش ان تضييق الدولة مؤخرا على الآراء المعارضة اصبح خانقا كابتا لصمامات الأمان مدمرا للصورة الدولية ومنفرا للإبداع. فمن سجن لمن انتقدت سيادة خروف العيد لسجن من غلط في البخاري تحول الموضوع الى طريقة منظمة لخنق الفكر الجديد. وحتى "النشطاء" ليس من حق الدولة حبسهم عشان ضارب الويندوز والاقتراح قانون لمناهضة التعذيب. في اي سياق يكون اتهام شخص باقتراح قانون لمناهضة التعذيب فكرة ذكية حتى من ناحية العلاقات العامة؟
-لكن في رأيي مأساة السيسي الكبرى هي عدم إيمانه برأس المال الوطني او بالاستثمار او بالقطاع الخاص او اقتصاديات السوق بشكل عام. فالسياسي اطلق العنان للجهاز الاداري للدولة لخنق وكبت كل من يحاول الانتاج في البلد. وإن كنت متفهم ان من قواعد يناير ان المستثمر شرير وطماع وممكن ناخد منه فلوس كتير، فما يثير دهشتي هو دهشة السيسي من احجام وهروب الاستثمار من مصر. وإن كان السيسي يرى أن الجيش يمكن أن يكون بديلا عن اقتصاد السوق، فلماذا يشكي عدم حقيقة اعتقاده؟

المعضلة الرئيسية أن السيسي يرى نفسه قائد تاريخي صاحب رؤية ممتدة لمصر. وأنا أراه رئيس انتقالي لفترة قصيرة للغاية يؤدي دوره في ضبط الايقاع ثم يسمح للبلد بالتنفس. 

المعضلة الثانوية هي ان كل الأطراف البديلة في مصر ترى مشاكل متضادة  في السيسي فهم كالعادة متفقون فيم لا يريدونه لكن لا يتفقون في الحد الأدنى مما يريدون. كما أن الكثير من هذه البدائل مصاب اما بهلاوس أو بكساح. وهو أكثرنا يدعو للاكتئاب في الموقف. فالإصرار على ان صاوره مجيدة هي اللي هتشيل السيسي يغفل اختلاف السيسي عن مبارك ومرسي واختلاف ظروف البلد والظروف الإقليمية وأولا وأخيرا إرهاق الشعب وخوفه الحق من سؤال وماذا بعد في ضوء التجارب المصرية والإقليمية.

الثورة الحقيقية في مصر هي ان يتم تداول سلمي للسلطة. والطريق لنجاحها ليس سهلا ولا ممهدا، لهذا فنجاحها يعد نجاح وليس كنجاح مجيدة او نجاح عظيمة. وفي ضوء التداول السلمي للسلطة فالفلتة في مصر هو من يقترح انتخابات رئاسية مبكرة، وهو اقتراح أقل ... ذكاء حتى من اقتراح صاوره تشيل ما تخلي. فالزمن المتبقي في الفترة الأولى السيسي بالكاد تكون كافية لخلق مرشح بديل وظروف مناسبة لتسليم سلمي ديمقراطي للسلطة. نعم الحل ليس آني وليس مضمون ومفيهوش سبعين مليار ولكنه حقيقي.

بالطبع الظروف الإعلامية والسياسية ومؤسسات الدولة غير صديقة للديموقراطية. لكن الضغط يجدي، خاصة في ضوء تضرر النخبة من سياسات السيسي وبالتالي اتجاه الاعلام الخاص للمعارضة او الحياد. ففي حين بدأ موضوع إضراب الأطباء كمحاولة بائسة، تحول نتيجة المطالَب المحددة والوضوح الى مكسب أرغم الاعلام على تغيير نغمته والداخلية على تغيير أراه استراتيجي.

السنتين القادمتين قد تحتاجا الكثير من المعارك الصغيرة المماثلة للوصول لظروف ومرشح يسمح بتبادل حقيقي للسلطة. وقد يحتاج هذا من جميع الأطراف لتضحيات. فيجب علينا جميعا اعتبار قناة الشرق وقناة الجزيرة وقناة أيمن نور غير موجودة وعدم الخضوع لا لتأثيرها ولا للإبتزاز الناتج عن استغلال الاخوان لأي معارضة. فالهدف ليس ثورة شوارع وبالتالي لا يمكن للإخوان ركوبها. الهدف تغيير قواعد اللعبة عن طريق تراكم الانتصارات الصغيرة الحقيقية. وقد يتطلب ذلك من كارهي عكاشة مثلا من الناصريين والينايرجية الوقوف بجانبه لأن خلعه من المجلس كان قرارا سياسيا خلع من ناخبيه حقوقهم وسببه الحقيقي انه طالب بانتخابات مبكرة. وقد يتطلب ذلك مني ان اساند نجاد البرعي على الرغم من تأكدي من كونه المعنى المجسم للتمويل الأجنبي. فالقبض عليه بتهم وهمية يعني انه يمكن القبض علي يوما بتهمة وهمية.

الطريق صعب وأساطير يناير المؤسسة تعوق ان يحاول الناس سلوك هذا الطريق الصعب. لذا فإني ارى السيناريو الموصوف أعلاه شبه مستحيل الحدوث وستكمل البدائل في سكة محاولة استنساخ مجيدة وعظيمة.

Wednesday, March 2, 2016

هيا بنا نستهبل على بعض



انا حاسس ان موضوع الفنانة ميريهان ده بيدل على اننا كلنا كشعب بنستعبط على بعض. او اننا كلنا عبط لدرجة خطيرة جدا تستدعي ادوية. عايز تعرف ليه، الحكاية اول ما حصلت الناس اتقسمت نصين وكل نص حكاها بشكل وكل حكاية منهم وهمية وخيالية ومستقاة من الدراما المصرية.

الطرف المؤيد للفنانة حكى الحكاية كالآتي: هي وقفوها في كمين والضابط عاكسها مدتلوش ريق حلو قام ضاربها وعذبها واتلم عليها العساكر والضباط واعتدوا عليها وخدوها القسم ورموا عليها جردل بول ومسكوها من اماكن حساسة والستات غنولها يا حلوة يا بلحة يا مقمعة وضربوها وحرقوها واغتصبوها وقتلوها وهي الآن حزينة. وانا دلوقتي حيادي مع الارهاب وكبه كده وسم عليكم. وأي حد هيعترض على الرواية دي يبقى مع القمع وما كانوا يروحوا يتشطروا على الارهابيين في سينا بدل ما يتحرشوا بالنسوان.

الطرف اللي ضد الفنانة يحكي كالآتي: هي كانت راجعة في وقت متأخر عشان هي ست بطالة وكانت جاية من اماكن بطالة بتعمل فيها افعال بطالة وكانت شايلة قزايز حاجات بطالة وبتشرب منها بطريقة بطالة. دخلت في الكمين دخلة بطالة وكسرت الحاجز وداست على الضابط دوسة بطالة وخربشت العسكري في وشه شوهته وضيعت مستقبله الفني وضربت اربعة وكومت ستة على الارض وشتمتهم بالأب والقمع من الباب للطاق وهم يعيطوا ويقولولها بلاش كفاية. وأي حد هيعترض على الرواية دي يبقى ضد اللي واقفين في سينا وبيضربهم في ضهرهم.

عادي على فكرة. امريكا شخصيا فيها جدل على عنف الشرطة وفيديوهات وكل الحاجات دي. وعادي برضه فيه ناس هناك بتأفور من الناحيتين. اللي مش عادي بقى ان هناك وفي اي حتة فيه ناس كتير في النص فاهمة ان القصة لا حصلت كده ولا حصلت كده. فيه كتلة ضخمة فاهمة ان مينفعش يتسكت على تجاوزات الشرطة اللي مهمتها المفروض حماية المجتمع مش التهجم عليه وفاهمين كمان ان شكل التجاوزات مش عامل زي لما كانوا بيعذبوا نادية الجندي وبالتالي فمفيش داعي نقوم نحرق هالمدينة. في مصر الطرفين مصرين ميكونش الوسط ده موجود مش مسموحلك تنادي بإصلاح ومحاسبة لأن من ناحية هيعتبروك بتخون شهداء الارهاب ومن الناحية التانية هيعتبروك دولجي وعكاشة واحمد موسى لو مقولتش قوم نحرق هالمدينة. ابتزاز رخيص كل محصلته تأخر البلد. بس كان ممكن التغلب عليه لو فيه فعلا كتلة وسط طاغية. بس مصر مفيهاش، مصر متربية على الدراما وكل المصريين دراما كوينز.

القصة كما حدثت في الغالب هي: دخلت الكمين (ومش سكرانة ولا معاها خمرة)، وقفوها، معجبهاش، انت مش عارف انا مين، داست بنزين، وقعت اقماع وخبطت في رجل ضابط (موقعش)، على صوته، شتمته، ضربها بالقلم وجرها من العربية، طوحت فيهم الشتيمة، ناس جت فكت دا من ده، كبرت في دماغ الضابط ازاي ست تضربه، اللي في الشارع وقفوا معاه عشان هي اكيد بطالة انها مروحة متأخر، اخدها عالقسم، جودوا بموضوع الخمره، جه نقيب الممثلين بالمحامي، المحامي قالها لبسيه تهمة عشان تبقى سيب وانا اسيب، قالت مسكني من اماكن حساسة وترتر علي وحلوة يا بلحة يا مقمعة.

هو دا اللي غالبا حصل واللي اي حد عايش في مصر هيبقى عارف انه غالبا اللي حصل. طيب ليه الطرفين بينكروا؟ ايه داعي الاستهبال يعني؟ اصل الاستهبال هيخسرك في الآخر. انت كواحد بتاع شرطة في الشارع واحدة كسرت الحاجز وخبطتك انشالله خدشة بسيطة. من حقك تطلعها من العربية وترزعها على الأرض وتثبتها وتكلبشها وتديها بالصاعق لو بتقاوم وبعدين تروح القسم تقول اللي هي عملته وهناك هم يشوفوا. بتضربها بالقلم ليه؟ ماهو كده الموضوع باظ وخرج عن حدود انك بتحاول تسيطر عليها وبقت خناقة وناس بتحجز، طب ايه لازمة الحركة القذرة اللي كلنا فاهمينها بتاعت الخمره؟ ما دي بتسحب من ثقة الناس. انا شخصيا مبقيتش ضامن اي واحدة من عيلتي بعربيتها لو وقفتوها هتعملوا معاها ايه وهتحددوا ازاي هي مؤدبة ولا بطالة.

أما عن مريهان فانا فاهم جدا انها لازم ترمي بلاها لأن دي الطريقة الوحيدة اللي هم سايبينهالنا عشان نعرف نخرج بتصالح، الدولة بتغصبك على سيب وانا اسيب. انما اللي مش فاهمه اللي متعاطفين معاها مصدقين القصة كده فعلا؟ يعني عبط ولا بيستعبطوا؟


ارجو ان الطرفين يكونوا بيستعبطوا

شفت يا حضناظر النبطشي بتقولك مش ذنبهم

الصحفية شيماء مش حاجة جديدة على مصر، ناس كتير عرفت ده وقالته. هي انعكاس لتقديس المصريين وعشقهم لعدم الاتقان. دي حاجة واضحة مش محتاجة قوالة. من أعبط الحاجات في الدنيا لما تيجي تقول لواحد انت معملتش شغلك صح ليه يقولك تعال اعمله انت ياخويا وريني. ماهو انا مش متخصص زيك المفروض ومش متدرب على الشغلانة دي زيك المفروض. لكن مزمزيل شيماء الحقيقة انا كان ممكن اعمل شغل انضف منها بمراحل. دا كل الناس اللي اعرفهم تقريبا كان ممكن يعملوا شغل احسن من “ما الجديد في عالم السينما” اللي هي طرشته ده.

ثم ايه حكاية المصريين اللي بيعرفوا نفسهم انهم بيمثلوا مصر من غير ما حد يوكلهم بروح امهم دول. وايه حكاية المصريين اللي معتقدين ان اي واحدة هبلة بره تبقى بتمثل مصر. او ان اي واحدة ناجحة الحقيقة تبقى بتمثل مصر. محدش بره بيهتم قوي كده دي منين ولا حد كان هيسأل لو مكانتش المزمزيل اتبرعت.

بس الأكادة لا في كده ولا في كده. المشكلة في ثلة من ردود الأفعال على شيماء. مش الناس اللي دافعت عنها لا سيبك منهم دول بهايم زيها وشايفين ايه يعني ما هي حلوة اهي. المشكلة في الناس اللي قالت هي وحشة بس مش ذنبها. هي وحشة بس متحاسبوهاش. هو عمل كارثة بس مش ذنبه هو. لوموا التعليم، لوموا الوزير، لوموا المدير، لوموا الاخوان، طب لوموا مبارك، طب لوموا السيسي، طب عبناصر. لوموا اي حد الا هي. ومد المنطق الفاسد الشاذ ده لكل حاجة متلومش الامين او الضابط اللي بيغلط، رحل اللوم لظروف او لقوى اعلى. متلومش الدكتور او الممرضة اللي بتغلط، لوم المنظومة او لوم الحر او لوم الفقمة القطبية. متلومش الكاشير اللي في السوبر ماركت اللي مكشر في وشك وبيعلق على مشترياتك ومش قاصص ضوافره وريحته طالعه: لوم مرتبه وادارة السوبرماركت والاحتباس الحراري وان مقص الضوافر تلم.


ثقافة كاملة متكاملة متغلغلة ومعششة في عقول الثورجية قبل الفلول. ثقافة شعب يرفض تماما تحمل المسئولية او تحميل المسئولية لغيره في انه يعمل ادنى مقتضيات شغله اللي لا محتاجة امكانات ولا محتاجة حتى كم هائل من الاجتهاد. شيماء مش ضحية نظام تعليم ولا ضحية ظروف. دا ظلم لناس كتير جدا اجتهدوا في تحسين نفسهم ورفع امكانياتهم وتطوير مهاراتهم بأقل الموارد وكان اقل واحد فيهم هيعرف يعمل اكتر بكتير من انه يتصور سيلفي في متحف الشمع. بروح امها عندها انترنت كان لازم تحفظ مقال ويكيبيديا عن كل فيلم مرشح للاوسكار وتشوفهم كلهم وتدرس تاريخ ليوناردو من اول ما زلطته امه لغاية النهارده وتحضر عشر اسئلة وتراجعهم خمستلاف مرة مع خمستلاف واحد وقدام عشرتلاف مراية. مصر مليانة طلبة جامعة بيعملوا كده واكتر من كده كل يوم حرام وظلم وقلة ادب وسبب تأخرنا اننا نقول لا هي شيماء كده زي الفل على قد فلوسكم. وغلط اننا نقول ان ده موضوع تافه. اللي تافه هو شيماء والجرنان بتاعها ولازم يتمسح بيهم الارض بهدلة عشان اللي هيعمل العملة دي تاني يبقى يوفر الدولارات احسن نستورد بيها حاجة تنفعنا.

Friday, October 16, 2015

The moral choice on Syria

The only moral position countries can take on the Syrian civil war is neutrality. You should and perhaps must help the civilian casualties in any way you can, you should welcome them, aid them, and pressure your governments to accommodate them. But your country cannot take any sides in the conflict and claim any moral high ground.

Syria is a conflict where there are no good guys. The Internet is rife with think tank secretions trying to sell the case that the Assad regime is the only bad guy there, using the cheap fallacy that those who refuse to believe that the opposition is any better are "supporting a brutal dictator." One would think after the experience of 2003 this kind of argument wouldn't sell any more. On the other hand, some are truly of the belief that the Assad regime is a lesser of two evils when the other side are genocidal medieval slave traders like ISIL. Neither argument is valid, and neither captures the complexity of the perceived "bad guy", nor does either acknowledge the obvious grotesqueness of both sides.

Syria is beyond a normal civil war. It is a civil war where one side, the Assad regime has voluntarily decided to retreat into a coastal enclave, de facto enforcing a partition of the country it once ruled. It is also a war where the "opposition" consists mostly of religious fanatics who enjoy some support among the populace who want to transform the rest of the country into a medieval theme park, while trying to ethnically cleanse the coastal strip from its native Alawites. It's a sectarian civil war with roots that extend decades or even centuries. Contrary to popular belief, this, not the Israeli Palestinian conflict is the regional conflict with ancient roots.

On its own though the situation might have been resolvable. But outside intervention made sure this is no longer possible. Iranian and Russian pure unadulterated self interests made them support the Assad plan for an Alawite state. They made the insane plan logistically possible, they supported him financially, militarily, and diplomatically. It is unclear to me whether either is remorseful about the impact of this on the rest of Syria, but what's obvious is that this is not deterring them.

Meanwhile, Qatar, Turkey, and Saudi Arabia have made sure that the interior of Syria is so thoroughly Afghanized, that there is no foreseeable future for it. And Saudi Arabia in particular, drunk on its illusory victory in Yemen, and shocked by its newfound sense of national and sectarian pride, will continue to fragment and arm the interior of Syria till we are all sure that will continue to resemble scenes from "The Road" for decades if not centuries.

There is an argument one can make though that is uncomfortably morally relativistic and very reminiscent of neo conservatives. One can claim that it is more moral to just support either side till they win and impose some form of order that will reduce the suffering of the normal people, even if the resulting regime isn't ideal from our point of view. The problem is, this isn't even possible. Russian intervention in Syria should have resulted in a tangible turning of tides in favor of the regime. And it hasn't, Syria is still a set of bloody stalemates and tactical advances and losses. Neither has the Saudi spending hysteria managed to form any tangible opposition that could be aided. The Syrian opposition will and is fighting among itself perhaps more than fighting against the regime.

Intervention always proves to be a bad idea. In Afghanistan I thought it was rightful, it turned out badly. In Iraq I thought it was horrible, it turned out badly. In Libya I thought it was OK, it turned out badly. In Syria a lot of people thought it was moral, it just made it infinitely worse. More intervention doesn't solve the problems of intervention, it adds to them. The moral thing on Syria is to support neither side, explicitly or tacitly, and to provide as much help to the normal Syrians trying to escape the hell they and us created.

Tuesday, October 13, 2015

بلد موظفين


 مصر بلد موظفين. ده تاريخها من ساعة قيام ثورة يوليو، ده حاضرها، وده ما يريده أهلها لمستقبلها. وده سبب ضياعها ومشاكلها، وعدم محاربة ده هو اللي هيجيب أجل مصر.

ايه هي أقوى جهة في مصر؟ شكل آخر لصياغة السؤال، مين كان السبب في أحداث يناير الحدث الجلل  واللي من الواضح انه رجع مصر للوراء سنين من ناحية الاقتصاد والتنافسية وحتى التعليم والصحة؟ يناير قد تبدو للبعض ثورة طبقة وسطى تسعى لحريات شبيهة بحريات الدول المتقدمة. أو قد تبدو ثورة إسلامية تسعى لدعشنة الدولة والمجتمع بشكل مفاجىء أو تدريجي. أو ربما هي مؤامرة غربية من خلال منظمات المجتمع المدني الممولة خارجيا. أو ربما هي مؤامرة من الجيش لمنع مؤامرة توريث الحكم. أو ربما هي مؤامرة من الاسلاميين على مؤامرة الجيش على مؤامرة النشطاء على مؤامرة جمال مبارك. المؤامرات كتير وطرق تشبيكها في بعض مفيش أكتر منها.

إنما تبقى حقيقة واحدة، إن فيه عامل لو مكانش حصل مكانش أي من هذه المؤامرات أو النوايا الحسنة أو الأي حاجة اللي عايز تقولها على يناير نجحت. والعامل ده هو انفجار ميدان التحرير بأعداد مهولة لم يسبق رؤينها في مصر. أعداد أصابت المصريين بقلق شديد وضمنت شغف العالم وخلت الجيش وأجهزة الدولة تحس بخطر حقيقي على كيان الدولة. ربما إحنا دلوقتي بعد سنين من جني ثمار يناير المجيدة جتتنا نحست، بس لازم ترجع لساعتها ولناس خارجة ببراءة من عقود من الاستقرار الوحش اللي عمله مبارك الوحش. المهم منين جت الأعداد الغفيرة دي؟ جزء منهم بالتأكيد كان شحن الإخوان للأتوبيسات من الأقاليم. لكن كان فيه جزء تاني هو اللي قلب ميزان القوى، خاصة في آخر أربعة أيام قبل تنحي مبارك.

أغلب القنوات الأجنبية ركزت مع الشباب الناشط الأمور اللي الإخوان صدروه في قلب الميدان عشان يقولوا إحنا شباب كيوت وسيكسي ومش إرهابينيين. وأغلب القنوات العربية ركزت مع الفنانين اللي بيغنوا في الخيام. لكن فيه مجموعة صغيرة من القنوات المصرية كانت بتروح وبشكل عشوائي حقيقي تعمل لقائات مع الناس العادية اللي واقفة. وكانت أغلب الناس اللي واقفة موظفين حكومة. ناس عايزة مرتبات زيادة وناس اترفدت وعايزة ترجع وناس مش عايزة لوائح جديدة وناس عايزة تعين عيالها في نفس المكان اللي هم شغالين فيه. عارف. حاجة سخيفة اني أواجهك بحقيقة صنم يناير، بس يناير كانت ثورة موظفين.

لأن البلد أصلا بلد موظفين. ده العقد اللي عمله ناصر وحافظ عليه السادات لدرجة ما. حتى مبارك حافظ عليه في البداية. لكن في أواخر حكمه ابتدأ يتعدى على الحلف المقدس بين الدولة وجهازها الإداري. كان من الواضح ان الجهاز الإداري المصري خانق لأي محاولة للابتكار. عائق أمام أي انتاج. مانع لأي تصدير. مدمر لإنتاجية الاقتصاد ولتناقسيته. هو ده العقد، الجهاز الإداري يدمر كل فرصة لأي تطور اقتصادي رسمي ولا ينتج شيء ويقبض مرتبات زهيدة وأي حد في البلد عايز يشتغل لازم يحاول يصرف نفسه في الاقتصاد الموازي بعيدا عن كل تحرك رسمي مع محاربة الوحش الأداري تارة وتقديم القرابين له تارة أخرى.

ولما النظام ده مكانش ينفع في ظل وجود هند وصين وفيتنام بيتنافسوا لجر رجل كل قرش وكل دولار ممكن أي حد يستثمره، اضطرت مصر أيام مبارك لبعض الإجراءات اللي تخلي مصر فيها القدر الأدنى من التنافسية. الكلام ده كان من خلال حكومات نظيف ومجموعاتها الاقتصادية والأهم الرؤية اللي كانت بتحاول توصلها. الرؤية كانت تسهيل العمل للي عايز يشتغل، تشجيع الناس انها تشتغل في الاقتصاد الرسمي، تسهيل دفع الضرايب بشكل صحيح بدون إفلاس كل من يجرؤ على فعل ذلك، مساعدة اللي عايز يبني مصنع وتشجيعه على التصدير. وفي نفس الوقت ولنفس الغرض تحجيم تضخم الجهاز الإداري للدولة ومحاولة جعله وسيلة لمساعدة اللي عايز يشتغل في نطاق القانون. محدش حاول يصفي الجهاز المتضخم، كل اللي حاولوا يعملوه تغيير خصائصه من وحش يمتص ويحبط كل محاولة للإنتاج لعلى الأقل قوة محايدة.

ده طبعا كان إخلال بالعقد اللي كان مشترط ربط الدولة والبلد والجهاز الإداري ببعض في حلقة لا نهائية من انعدام الكفاءة والفساد وانعدام الإنتاج. ولذا كانت الثورة وكان عقاب لكل من حاول انه يشتغل. كل مستثمر حول صحراء لجنة نسجنه ونرجع الجنة صحراء. كل من بنى مصنع نزيد عليه المصاريف والضرائب والروتين القاتل لغاية ما يقفل ويطفش ويسيب البلد. حتى اللي جاب لوحات عربيات موحدة مقروءة احترافية نرميه في السجن ونعمل لوحات عشوائية مكتوبة بخط اليد. يناير كانت لمعاقبة كل من حاول انتشال مصر من عدم الكفاءة، كل من تسبب في سياسة نقدية سليمة حمت مصر في عز الأزمات العالمية، كل من جذب الشركات المتعددة الجنسيات وثقافتها في العمل، كل من فكر في يوم انه يستثمر في البلد.

ولما انتصرت يناير المجيدة تم تحقيق أهداف الطرف الرئيسي في نجاحها وعادت البلد إلى أصحابها الموظفين. وعينوا ولادهم واللي بعقد اتثبت وكله رجع ميشتغلش، ومرتباتهم عليت بدون أي سبب مقنع ومش مهم التضخم الناتج. وعشان محدش يزعل وعشان نرضي اللي فاكرين ان يناير كانت عشان حاجات تانية احنا نعمل حل جذري للفساد: محدش يعمل أي حاجة، محدش ياخد أي قرار، محدش يمضي ورقة. وهم كموظفين مش فارق معاهم، تمام هم عملوا اللي عايزينه وبقية البلد مش عارفة تشتغل ولا تاكل عيش مش مشكلة.

من الآخر يناير كانت ثورة ضد ان مصر تكون ليها تنافسية في أثناء النمو الاقتصادي العالمي، والحمد لله حققت هدفها ومصر فقدت كل تنافسية والنمو العالمي خلص وفاتنا وعليكو خير. خلوها بلد موظفين وخلينا ناكل الورق الي عند مدام منى اللي مش راضية تمضيه. واهو عبفتاح البيصي بيعمل لمدام منى عاصمة إدارية جديدة مخصوص عشان ترص فيها ملفاتها.