Saturday, September 6, 2014

بالنسبة لداعش، أمريكا صح

أسئلة محددة محتاجة إجابات محددة: هل داعش صنيعة أمريكية؟ هل داعش مجرد ذريعة أمريكية للتدخل في المنطقة؟ هل عدم تدخل أمريكا ضد داعش حتى الآن دليل أن داعش تعمل لحسابها؟ هل تدخل أمريكا المحدود ضد داعش دليل على أنها تريد لداعش الاستمرار مع إظهار صورة سطحية أنها ضدها؟ هل داعش صنيعة غربية لتشويه صورة الإسلام؟

أسئلة معقدة، دعني أحاول الإجابة عنها بالترتيب واعذر تعقيد الإجابات.

الإجابات هي: لا، لا، لا، لا، لا.

الحقيقة عدم استطاعة العرب استيعاب أن الإجابات في هذا الوضوح وهذه البساطة هي علامة على مشكلتنا الرئيسية: الهروب من الواقع. الإجابات واضحة للغاية لمن يريد رؤيتها. عند وجود إجابة واضحة وسهلة لسؤال وإجابة أخرى معقدة ومركبة لنفس السؤال فإن الإجابة الواضحة هي الصحيحة بدون أن تحتاج لبحث ودراسة.

هل داعش صناعة أمريكية؟ لا داعش نتاج عضوي طبيعي للغاية للمجتمع العربي السني. داعش ليست حتى نتاج للأجنحة المتطرفة من العرب السنة، بل هي نتاج تيارهم الأساسي. هي نتاج إخواننا وسلفيينا وأزهرنا وخطب الجمعة في كل الزوايا والمساجد. هي نتاج مجتمع ما زال يرى مناقشة تنظيم الرق مسألة تستحق النقاش والبحث ورسالات الماجستير. مجتمع يعاني من أساطير عن عصر ذهبي لم يوجد أبدا ودائرة مفرغة من الإحساس بعقدة النقص نتيجة وجود المجتمعات الإسلامية كزائدة على مؤخرة الإنسانية مما يساعد على تطرف المجتمع مما يؤدي إلى انحداره أكثر وبالتالي زيادة إحساسه بالدونية واحتياجه إلى الإحساس الوهمي الغير مبرر بسيادة العالم. مجتمع يرى إعطاء حقوق بسيطة للمرأة تعدي على الحرية ويرى في الفن عفن وفي الأقليات عبيد هو مجتمع لن ينتج سقف السيستين أو نظريات في الفيزياء الكمية. هو مجتمع سينتج داعش.

هل داعش ذريعة أمريكية للتدخل في المنطقة؟ لماذا؟ أتحتاج أمريكا لذريعة للتدخل؟ ولماذا تتدخل؟ ولماذا تريد أمريكا فوضى داعشية؟ مصلحة أمريكا قد تكون في دول عربية ضعيفة (أو ربما لا) ولكن الفوضى التي تسمح بتفريخ داعش بالتأكيد لا تخدم أمريكا. الغرب يحتاج دول عربية مستقرة، ولا يضره أن تكون دول قوية أو متطورة طالما هي دول غير متعطشة للحرب. كيف تستفيد أمريكا من داعش؟ من المفيد أكثر لها، داعش أم الحكومة العراقية؟ ربما كان ذنب أمريكا الرئيسي هو احتلال العراق (أو بالأصح هو مؤكد ذنبها)، لكن داعش أيضاً نتاج انسحاب أمريكا من العراق أكثر منه نتاج احتلالها للعراق. فهل نلومه اعلى الانسحاب؟ الغرب أغبى مما نتخيل، عندما ساعد الغرب على اشتعال الحرب الأهلية السورية كان فعلا يصدق أن معارضة علمانية سوف تزيل عدو أمريكا العلوي اللدود في سوريا. لم تتخيل أبدا أن فراغ سيحدث سيملأه التطرف السني. نعم الحاجة خضرة اللي بتبيع الفجل كانت عارفة ان ده هيحصل، لكن أمريكا فعلا بهذا الغباء!

هل عدم تدخل أمريكا لفترة ضد داعش دليل أن داعش تعمل لحسابها؟ لا، عدم تدخل أمريكا دليل أنها استوعبت دروس العراق والكابوس (الربيع) العربي. أمريكا أدركت أنها لا يجب أن تتدخل كلاعب رئيسي في العالم العربي مرة أخرى. أمريكا لا يجب أن تحتل دول ولا يجب أن تتدخل بجنود على الأرض. أمريكا حتى لا يجب أن تقوم بتسليح عرب سنة لمواجهة القاعدة لأنهم في الغالب سينضمون للقاعدة عند أقرب فرصة. أمريكا أدركت أنها لا تفهم المجتمعات العربية السنية وأنها لا يجب أن تحاول التعامل مع هذه المجتمعات كأنها اليابان أو ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لأن باختصار هذه المجتمعات تعاني من دوامة من الجنون لا تؤهلها للتعامل كجزء من المجتمع الإنساني المتحضر على عكس حتى أكثر قبائل غينيا الجديدة انعازلا.

إذا لماذا قررت أمريكا التدخل مؤخراً ولماذا هذا التدخل محدود للغاية؟ ليس لأن أمريكا تحاول نفي تهمة مساندة داعش عن نفسها. لكن لأن هدف أمريكا ليس القضاء على داعش أو حتى محاولة مساعدة العرب السنة على محاربة داعش. لماذا؟ لأنها أدركت أنها ليس لها شريك في العرب السنة يريد محاربة داعش، فالعرب السنة في العراق وسوريا احتضنوا داعش. لماذا؟ لأن داعش هي إفراز هذه المجتمعات. لذا فهدف أمريكا أولا مساعدة الأقليات على الهروب من جنون مذابح العرب السنة، ونجحت بالفعل في مساعدة اليزيديين والتركمان الشيعة في الهرب إلى كردستان. وهو هدف أمريكا الثاني: مساعدة كردستان على الدفاع عن نفسها، فالكرد مجموعة تقدمية جادة في محاربة داعش والترحيب بالأقليات والتنوع والانضمام إلى المجتمع الإنساني على مستوى أبسط الأكراد في القرى كما هو على مستوى القيادات. لذا فأمريكا لديها من تساعده ليس من تحارب عوضا عنه لتخلق فراغ تلام عليه فيما بعد.

هل الغرب يستخدم داعش لتشويه الإسلام؟ ليه؟ المسلمين موجودين وقايمين بالواجب وزيادة. حقيقة الوضع أن مجتمعات عربية سنية قاومت لسنين طوال مواجهة أسئلة رئيسية تتعلق بالمساواة والحقوق. مما أدى أن مجموعات سنية مسلحة تحاصر أقليات دينية في جبال لتذبحهم وتغتصب نسائهم. وتجد الأقليات الدينية جيرانهم السنة يساعدوا المجموعات المسلحة بينما يحاول الغرب والأكراد مساعدتهم على الهرب والنجاة. هو ده الواقع، هو ده منتجنا الثقافي، واجهوه وارفضوه أو اقبلوه لكن لا تعيشوا وهم أن أمريكا صنعته.



No comments:

Post a Comment