Sunday, December 8, 2013

بالدستور هتكون شطور

بأي دستور في حقيقة الأمر. فقط نحتاج الى دستور.

لم يخطئ من قال أننا في وضع حرج قد لا يسمح لنا بكتابة دستور دائم وبالتالي نحتاج دستور مؤقت لفترة حتى تستقر الأمور ونصل الى قدر اكبر من التوافق. وإن كنت أرى في مشروع لجنة الخمسين نواة دستور قوي يتعدى فكرة المؤقت لكني لا أمانع التفكير به على هذا الأساس (التأقيت).

أنا أدعو للتصويت بنعم. لماذا؟ لأني أراه مشروع جيد للدستور. لأنه حقق قدر من التوافق لم أظنه ممكناً في هذه اللحظة. لأني أرى كل الإعتراضات الموضوعية مردود عليها. و أخيراً و بدون خجل لأني أرى الظرف يتطلب الموافقة عليه. نعم اعتقد اننا يجب ان نراعي الظرف في التصويت ولا أرى في هذا تشبها بالإخوان في تمريرهم لدستورهم نتيجة اختلاف محتوى الدستور ونتيجة اختلاف طبائع من يعارضه.

أولا أرى هذا الدستور جيد. أراه جيد بشكل مجرد كما أراه جيد بالمقارنة ليس فقط بدستور الإخوان ولكن أيضاً بدستور ١٩٧١ المعدل. الدستور الجيد هو الدستور الذي يحمي الأقلية من الأغلبية ويمكن الأغلبية من الحكم ويحمي الفرد من المجتمع والمواطن من الدولة بينما يمكن الدولة من بسط نفوذها. وهذه كلها مواصفات وجدتها في هذه المسودة. فمواد الحقوق الشخصية والمساواة الموجودة به لم أرى مثلها من قبل في مشاريع الدساتير المصرية والاعتراف بالحقوق الأساسية والتعددية يأتي لأول مرة مطلق ومتماشي مع المعايير العالمية. في حد ذاتها هذه مكاسب تاريخية أرى من الضرورة تمريرها عن طريق تدعيمها تصويتيا حتى تصبح حقاً مكتسبا.

وهنا نأتي لثانيا. فالمسودة تأتي ببعض المواد وبعض العبارات في الديباجة التي لا تعجبني. لكني لا أرى منها عبورا لأي خطوط حمراء. لذا أرى ما حدث هو تطبيق عملي لبناء التوافق عن طريق التنازلات المتبادلة. كمثال دستوري المثالي كان لينص على نظام رئاسي وانتخابات فردية ولم يكن لينص على شكل الضرائب. لكن دستور آخرين المثالي كان لينص على العكس تماماً. ولأني لا أدعي امتلاك الحق، فأنا أتفهم نظرهم لهذه الأمور. لذا أرى النص على تصاعدية الضرائب فقط على الأفراد حل وسط، وأرى إرجاء النظام الانتخابي للقانون، حيث يسهل تعديله، أمر واقعي. كما أرى نظام شبه مختلط يتنقل بين الرئاسي وشبه الرئاسي بناء على بنية البرلمان هو حل توفيقي. بنفس المنطق لا أستطيع إهمال وجود السلفيين في المجتمع كجزء فاعل فيه. ولا أستطيع أن أهمل تاريخية مباركتهم لدستور يحتوي على هذا القدر من المساواة والحقوق. لذا لا أستطيع أن أقول لا للدستور بناء على إصرارهم على مكسب رمزي في الديباجة.

إذا أعجبني كل شيء في الدستور فهو بالضرورة أغضب الكثيرين.

ثالثا لا يمكن إنكار وجود اعتراضات حقيقية عند البعض على الدستور لكني أراها مردود عليها. من جانب جزء من التيار الإسلامي الدستور مرفوض لمجرد كون دستور الإخوان مقبول وهو موقف لا يستحق الكثير من النقاش. بالنسبة لجزء من القوى التقليدية فالدستور مرفوض إما لتكوين اللجنة الذي أقصاهم أو لكون دستور ٧١ هو المقبول. لا يمكنني رفض منتج المسودة لمجرد تكوين اللجنة. إذا كانت هذه المسودة خرجت من لجنة الإخوان لقبلتها. كما أني أرى تكوين اللجنة جيد. فعلى الرغم من إقصائها للملايين التي انتخبت الفريق شفيق إلا أنها لجنة مجتمعية غير مسيسة حقاً. ضمت ممثلين عن فئات مجتمعية بشكل لم نره في لجان الإخوان. ففي لجنتي الإخوان تم تضخيم تمثيل الحزبيين لمجرد كون الإخوان حصلوا على أغلبية لحظية في البرلمان. كما تم اختيار الشخصيات المجتمعية بحيث تكون كلها شخصيات إسلامية. أما في لجنة الخمسين فكان الاختيار أعمى لدرجة اختيار أحد النقباء المنتمي للجماعة. أما عن دستور ٧١ فقد انتهى والتمسك به هو تمسك بالماضي لا محل له في الواقع. كل هذا لا يمنع وجود اعتراضات موضوعية لل"فلول" على بعض مواد الدستور.

الاعتراض الأساسي على ما يُرى أنه انتقاص من صلاحيات الرئيس وخلق رئيس "طرطور". أتفهم المخاوف هنا، لكني أراها ليست في محلها. حقيقة قام الدستور بتقليص صلاحيات الرئيس وأعطى المزيد من الصلاحيات التنفيذية للبرلمان. لكن يجب أن نلاحظ أن سلطة البرلمان لمنح وسحب الثقة هي حق أصيل ولا يمكن ترك يد الرئيس بدون وجود عامل موازن حتى في الأنظمة الرئاسية. أما عن صلاحيات البرلمان في المشاركة في تسمية الحكومة فهي تأتي فقط في حالة استطاعة البرلمان تكوين توافق مستقر وتأتي تحت تهديد حل البرلمان ككل. لذا فالمواد تسمح بنظام إما رئاسي أو مختلط بناء على قدرة المؤسسات. و أؤكد أن صلاحيات أقل للرئيس وأكثر لرئيس الوزراء في مصلحة الوطن. فتجربتنا السنتين الماضيتين تؤكد أن المجتمع غير مستقر ويتجه إلى تغيير السلطة التنفيذية بشكل مستمر. ونتيجة صعوبة تغيير الرئاسة بطرق دستورية يؤدي ذلك الى الموجات المتتالية من عمل الشارع وهو ما لا تستطيع الدولة تحمله كثيرا. تغيير السلطة التنفيذية عن طريق تغيير رئيس وزراء ذو سلطات حقيقية هو صمام أمان. كما أن الدساتير لا توضع لكي لا تتغير. نعم نعم أدرك أن "الاخوان قالوا كده" لكن أبواب نظام الحكم بالفعل هي أكثر الأبواب عرضة للتعديل في الدساتير لأنها تتغير لكي تتعلم من التجربة وتتغير لكي تلائم الواقع.

وأخيرا أرى التصويت بنعم لأن البلد محتاجاها. أدرك اعتراض الكثيرين على هذا، وأدرك أن التصويت على الدستور ولا يجب أن يكون تصويتا على ٣٠/٦ أو على إزاحة الإخوان. لكن الحياة ليست مثالية وليست عادلة. ربما أخبرنا بعضهم أنها عادلة لكنها ليست كذلك. الترويج بأن التصويت بلا لن يضر ٣٠/٦ ولن يفيد الإخوان هو ترويج سطحي أو مضلل. انتزع نفسك من كل المحيط بك وفكر. استفتي هذا الشعب منذ عام تقريبا على دستور الإخوان وقال نعم. لم يكن الحضور طاغيا ولم تكن ال نعم مدوية لكنها كانت نعم واضحة جلية تخترق حتى ادعاءات التزوير (الحقيقية). بعد سنة وبعد خلع نظام الإخوان يتم استفتاء نفس الشعب على دستور جديد ليحل محل دستور الإخوان فيقول الشعب لا. ما معنى هذه ال لا بالمقابلة بهذه ال نعم؟

يعتقد البعض بأن ال لا يجب أن تعني لجنة أخرى تعد وثيقة دستورية أخرى. وأنا أقول أن هذا السيناريو كارثي. في حالة التصويت ب لا يجب علينا الاستسلام لرجوع دستور الإخوان والتعامل مع تعديله لاحقا على الرغم من كونه أساس ضعيف. لماذا؟ لأن في حالة التصويت بلا من أدراني ما سبب ال لا؟ سيدعي الفلول ان ال لا جاءت نتيجة تقليص سلطات الرئيس لذا يجب تكوين لجنة جديدة يرضى عنها الفلول تقوم بتعديل جديد. سيدعي النشطاء أن ال لا نتيجة مادة المحاكمات العسكرية لذا يجب تكوين لجنة يرضون عنها تقوم بالتعديل. سيدعي الإخوان أن ال لا هي رفض لإلغاء دستورهم ورفض للحقوق والحريات والمساواة في وثيقة دستور ٢٠١٣. من سيكون الأحق؟ الإخوان. لماذا؟ لأن عندهم نتيجة استفتاء سابقة يستطيعون الإشارة إليها كدليل على أن الشعب رفض ٢٠١٣ لأنه وافق على ٢٠١٢. وفي الحقيقة يكون الحق في جانبهم. لا يمكنني أن أتخيل حال البلد في حال التصويت بلا ثم تكوين لجنة جديدة بمعايير لا ندريها لتجري تعديلات لا نعرف السبب فيها بينما يكسب الإخوان مكسبا معنويا هائلا يمكنهم من الحشد الداخلي وزيادة الضغوط الخارجية لدرجة لا تحتمل.

يمكنك التفكير في أني أبتزك لكي تقول نعم. لكن في الحقيقة أنا أحذر فقط من محاولة السير في طرق خطرة في حالة اللا. قل لا. لكن كن مدرك أن معناها عودة دستور الإخوان. وهذا في حد ذاته ليس كارثيا ولا استخدمه في الضغط عليك. فمن نزلوا في ٣٠/٦ نزلوا في الأساس لرفض محمد مرسي وحكم الإخوان ولم يكن يعنيهم دستور الإخوان. يمكننا التعايش مع دستور الإخوان لفترة حذرة حتى نستطيع تكوين توافق أكبر لكن لا يمكننا العيش في حالة انتقالية غير محددة المعالم والأسباب في وسط حالة من هياج الجماعات الدينية المتطرفة العنيفة.





















No comments:

Post a Comment