فيه سؤال صعب بسأله لنفسي اليومين دول. هل الإسلام كان عامل مساعد لتطور مجتمعاتنا الإسلامية ولا عامل تعجيزي مخلينا متخلفين عن باقي الأمم. سؤال تابو تبع التابوهات الكتير اللي مفروضة على امخاخنا. وكونها تابو في حد ذاته دليل على ضعف إيماننا وثقتنا في الإسلام. زي ما يكون منع السؤال وراءه تأكد تام من ان الإجابة مش في صالح الدين. وبالتالي يفضل السؤال مدفون زيه زي أسئلة كتير، تحت السطح، بيكبر يوم بعد اليوم، وبيعمل مشاكل أكتر من من المشاكل اللي طرحه ومناقشته ممكن تعملها.
فبالتالي أنا هسأل السؤال.
التدين في مصر (اللي أغلبه تدين إسلامي نتيجة كون المسلمين أغلبية) جنب مصر مصايب كتير لا ينكرها إلا اللي تفكيره مؤدلج زي الإسلاميين بس في الاتجاه التاني. مثلا عدم انتشار الإيدز في دول شمال افريقيا والحد الفاصل الحاسم لانتشار الإيدز في افريقيا في دول الساحل والصحراء لا يمكن نقدر نفهمه إلا في ضوء انتشار الإسلام في الأماكن قليلة الإصابة بالإيدز. حتى منظمة الصحة العالمية بتفسر التضاد في معدلات الإصابة في افريقيا هكذا. بسأل نفسي مصر كانت هتعمل ايه بدون المقاطعة الثقافية والاختيارية للكحول (اللي هي دايما تأثيرها أقوى وأبقى من المنع القانوني الفاشل). الطرق والشوارع اللي مش ناقصة كان هيبقى وضعها ايه لو بنشرب في مصر؟ عدد الناس اللي كانت هتموت بسبب القيادة تحت تأثير الكحوليات كان هيبقى قد إيه.
لكن السؤال هل الجوانب الكويسة للتدين دي مكانتش هتحصل لو مصر متدينة بدين آخر؟ المصريين طبيعتهم الالتصاق بالدين والتطرف في مظاهره والحكم على الآخرين من خلال هذا التطرف. المصريين لو مسيحيين ملتصقين بالمسيحية وبيقدمولها اكثر صورها تطرفا. وكذلك الاسلام، وكذلك البوذية لو بقى فيه بوذيين في مصر. حتى الملحدين في مصر بوظوا الإلحاد وطلعوله صور سطحية عبيطة تصادمية متطرفة. إلحاد “وسطي جميل” ليماثل التدين الوسطي الجميل. فيه إغراء قوي ان الواحد يفكر ان التطرف يخص المصريين. بمعنى ان المصريين عندهم قابلية للتطرف من أيام مينا موحد القطرين. والحقيقة ان فيه أدلة قوية ان أغلب نزعات التطرف في الديانات الإبراهيمية أصلها مصري.
لكن رمي الموضوع على ميل المصريين للتدين والتطرف كسل وإنكار للواقع. والواقع هو ان في اللحظة الحالية كون اننا مسلمين ونتيجة خصائص معينة في الإسلام وتاريخه، فده حاططنا في وضع مختلف عن بقية العالم. فيه حاجة مختلفة في الإسلام. أو بالتحديد في الإسلام السني. وبالتحديد اكتر في الإسلام السني السلفي اللي بذرته اتزرعت في أوائل القرن العشرين واللي أصبح الشكل المسيطر الكاسح لأغلبية المسلمين السنة من اندونيسيا لبلاد الغرب بعد صعود بترول الخليج وحملات التبشير الناتجة عنه.
الحاجة المختلفة هي إننا بنقتل بعض.
صحيح كل الناس بتقتل بعض في حروب وتناحرات، بس احنا بنقتل بعض عشان الدين. واحنا تقريبا بس اللي بنقتل بعض عشان الدين بالأعداد والشكل الرهيب ده. لما إيجال عامير قتل إسحق رابين بإسم الدين كان الرد من المجتمع اليهودي عاصف في رفضه للتصرف ده، والرفض كان أشد من المتدينين منه من العلمانيين. لما متطرف مسيحي كان بيفجر عيادة إجهاض في أمريكا كان الرفض من معادي الإجهاض أصلب من رفض المدافعين عن حق المرأة في الإجهاض. صحيح فيه بوذيين بيقتلوا مسلمين وفيه هندوس بيقتلوا مسلمين وفيه مسيحيين بيقتلوا مسلمين. وفيه كمان مسلمين بيقتلوا كل دول. لكن كون إن المسلمين بيقتلوا مسيحيين بإسم الدين فدي نتيجة ثانوية للمشكلة الأساسية والمميزة لينا وهي إن المسلمين بيقتلوا بعض بإسم الدين. أغلب ضحايا داعش مسلمين. أنصار بيت المقدس بتقتل مسلمين في الأساس. بوكو حرام بتهتم بقتل المسلمين أكتر من المسيحيين. حركة الشباب بتقتل مسلمين في الصومال اكتر بمراحل من المسيحيين اللي بتقتلهم في كينيا. و محدش في العالم هيهتم بده، العالم هيهتم بإن المسلمين بيقتلوا المسيحيين لأن العالم بيعتبر قتل المسلمين لبعضهم شأن داخلي. وده صحيح. دي معضلتنا احنا ومحدش هيحلها غيرنا. ده لو اتحلت. أو لو عايزين نحلها. لأنها ممكن متتحلش لقرون. ممكن نقعد كده نقتل بعض ومحدش هيهتم، مراكز الطاقة في العالم اتنقلت لأمريكا بعد اكتشاف البترول الحجري، والعالم ممكن يعزلنا ويسيبنا نقتل بعض. لا هو محتاج لنا ولا هو مهتم بناس اختارت تنعزل عن الكون.
طيب ايه هي المشكلة.
يبدو على السطح إن مشكلتنا هي التكفير. لأن مبدئيا كده كل الجماعات الإرهابية تشترك في حاجة واحدة: إنها جماعات تكفيرية. هي جماعات تكفر المجتمع وبالتالي تتجه لقتله.
وبالتالي تبقى المشكلة انها بتكفر المجتمع.
المنطق كده غلط. لأن المنطق ده محطش إيده على المشكلة الحقيقية، وهي القتل. المشكلة مش في التكفير، المشكلة في إعتبار أن الكفر أو الرده بالضرورة تستوجب القتل. ولو عايز كلام أكثر صراحة، فالمشكلة في اعتقادنا ان فيه شيء اسمه “الإسلام الصحيح”.
تنتشر في الغرب حاليا موجة من المطالبة بتصحيح بروتستانتي من داخل الأسلام شبيه بالإصلاح البروتستانتي في المسيحية. المطالبات دي بتوضح ليه الغرب مش ممكن يكون له دور في أي إصلاح في العالم الإسلامي. لأن في الحقيقة الإصلاح البروتستانتي حصل في الإسلام. ونجح نجاح ساحق. البروتستانتية في الإسلام هي السلفية، واحتجاجها كان على التراث الفقهي للمذاهب. ونجاحها كان في فرض تصور يدعو لتنقية الدين والعودة لأصوله. المشكلة ان توصيف أصوله في الحالة دي كان أصول بدوية جافة لها علاقة بمذاهب نجدية.
من أول ابن حزم لغاية محمد عبده مرورا بالثورات الوهابية هي دي الحركة البروتستانتية في الإسلام. ونجاحها كان ساحق نتيجة ترتيبات تاريخية من أول الهجمات الخارجية على العالم الإسلامي في العصور الوسطى، مرورا بالاستعمار، وانتهائا بظهور البترول في الخليج وحتى صعود الناصرية وانتحارها في الحروب الخاسرة وضياع القومية العربية كبديل، وحتى الربيع العربي.
وشكل نجاح الحركة البروتستاتية الإسلامية هو تحطيم المرجعيات المركزية التراثية في الإسلام السني إما ماديا أو معنويا. مما نتج عنه تشرذم المرجعيات للمسلمين السنة واختلاف رؤاهم عن ما هو الإسلام الصحيح وكيف نمارسه. وده طبيعي، وحصل في كل الديانات.
لكن اللي يميز الإسلام هو وجود إيمان مركزي بالآتي:
-أولا أن هناك صورة واحدة صحيحة للإسلام. مفيش اتنين متفقين إيه هي الصورة الوحيدة الصحيحة دي. لكن كل الناس متفقة إن فيه صورة وحيدة صحيحة.
-ان هناك قائمة طويلة وتطول كل يوم لأشياء “معلومة في الدين بالضرورة”. القائمة تختلف من شخص لآخر لكن كلهم يتفقوا في وجود قائمة وأنها تطول كل يوم.
-ان من ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة فهو مرتد.
-ان المرتد يقتل.
في ظل المعطيات دي أعتقد ان كون المسلمين بيقتلوا بعضهم شيء طبيعي ومنطقي.
الحل إيه؟ الحل المطروح حاليا هو المنافسة الفكرية مع داعش والقاعدة ومنتجاتهم لإثبات انهم لا يمثلون “الإسلام الصحيح”. والطريق هو طرح تصور للإسلام الصحيح. والنتيجة ان فيه مليون تصور للإسلام الصحيح كلهم بيكفروا التصورات الأخرى للإسلام الصحيح والناس العادية مش فاهمة قوي لكن فاهمين ان فيه إسلام صحيح وان المشكلة مش في مبدأ القتل لكن في مين اللي بيتقتل لأن الناس مقتنعة ان ابو دين مش صحيح المفروض يتقتل لكن مش متفقين مين هو ابو دين صحيح وبالتالي كل شوية شايفين ان فيه شوية تانيين المفروض يتقتلوا بس مش متفقين مين هم الشوية التانيين.
المشكلة هي اننا مش بنعالج المشكلة. احنا معتقدين ان المشكلة هي التكفير، في حين ان الجماعات الإسلامية معاها حق. واحد زيي فعلا كافر بما هم مؤمنين به. المشكلة مش في كده ،المشكلة في ما يتبع كوننا غير مؤمنين بما يطلق عليه بعضنا البعض ”إسلام صحيح”.
الحل الحقيقي مش في تكفير التكفيري لإن إسلامه غير صحيح. الحل الجذري هو اننا نفهم كمجتمعات ان فيه كذا شكل للإسلام. الكذا شكل دول موجودين بالفعل في المجتمعات الإسلامية ولا يمكن انكارهم ووجودهم طبيعي ومحاربتهم بلا فائدة. مين فيهم هو الإسلام الصحيح؟ الإجابة النموذجية: وليه يكون فيه واحد بس هو الإسلام الصحيح؟ ما يمكن فيه أشكال كتير. الإجابة الأقل نموذجية هي حتى لو فيه شكل واحد للإسلام الصحيح محدش هيفصل فيه إلا ربنا. إرجاء يعني؟ آه إرجاء عشان طلع اننا لما سمعنا كلامكم وحاسبنا بعض في الدنيا كانت النتيجة زي ما توقعنا بالضبط: قتلنا بعض.
أضعف الإيمان هو اننا نقبل تكفيرنا لبعض. مش لازم كلنا نبقى مؤمنين بنفس الحاجة. لكن مش لازم نقتل بعض لأننا مش مؤمنين بنفس الحاجة.
المشكلة مش في التكفير، المشكلة في القتل.